هل تفوقت الكمبيوترات على قدرات الإنسان العقلية؟

في عام 1997، لعب بطل الشطرنج قاري كسباروف سلسة من ستة مباريات ضد الكمبيوتر العملاق ديب بلو للمرة الثانية. و قبل هذه المباريات، استطاع كسباروف هزيمة ديب بلو في ثلاثة مباريات وتعادلا في اثنتين. وفي مباريات المرة الثانية استطاع كسباروف الفوز في المباراة الأولى وكافح لكن شقت عليه مواصلة اللعب بعد ذلك. وعندما انتهت المباريات أعلن ديب بلو أنه انتصر على كسباروف مرتين مقابل مرة لكسباروف وثلاث تعادلات.

هل كانت هزيمة كسباروف إشارة إلى أن الكمبيوترات أذكى من الإنسان؟
يمكن للكمبيوترات أن تجري العمليات الحسابية بخطى سريعة جداً، فمثلاً تبلغ السرعة القصوى لكمبيوتر الجاكوار 2.33 بيتا فلوبس، مما يعني أن بإمكانها إجراء أكثر من ألفي تريليون عملية حسابية في الثانية (المصدر: المركز الوطني للعلوم الحاسوبية)، وفي المقابل، قدر هانز مورفيك (من معهد الروبوتات في جامعة كانيجي ميلون) سرعة العقل البشري بحوالي مائة تريليون عملية حسابية في الثانية (المصدر: ديليو). ومن الواضح الآن أن سرعة الكمبيوترات في القيام بالحسابات أسرع من البشر.

ولكن هل هي أذكى من البشر؟
إن مفهوم الذكاء أوسع بكثير من مجرد سرعة المعالجة. ففي حين يستطيع الكمبيوتر العملاق مثل جاكوار تحليل المسائل والوصول إلى النتيجة بصورة أسرع من البشر، لا يستطيع أن يتكيف مع الأوضاع المختلفة ويتعلم بالطريقة التي يتعلم بها البشر. أما عقولنا فهي قادرة بأن تتعلم وتحلل حالات جديدة وغير معروفة بعكس الكمبيوترات، لأننا يمكننا أن نتعلم من تجاربنا السابقة ونستدل بها في حل مشكلاتنا الجديدة. كما يمكننا أن ننظر إلى الأمور من زوايا مختلفة حتى نجد أفضل الطرق لنتحرك نحو الأمام، أما الكمبيوترات فلا تستطيع أن تقوم بذلك، حيث يجب علينا أن نخبرها بما عليها أن تفعله.

بالإضافة إلى ذلك، لدى الإنسان قدرة كبيرة على إدراك الأنماط، وعلى الرغم من أننا نطور من إدراك الأجهزة للأنماط، إلا أن هذا الإدراك إدراك سطحي. فعلى سبيل المثال، تستطيع بعض الكاميرات الرقمية التعرف على أوجه معينة وتستطيع أن تضع على صورهم علامة كلما قمت بتصوير أولئك الأشخاص. ولكننا البشر نمتلك القدرات التي تفسر لنا الأنماط المعقدة ونستطيع فهمها أما الكمبيوترات فما زالت تواجه هذه المشكلة. لا تعتبر الكمبيوترات الحالية ذكية تماماً، ولكن هل سيدوم هذا الوضع؟


الكمبيوترات والدماغ البشري:
هل يستطيع خبراء الكمبيوتر تطوير جهاز يحاكي طريقة تفكير الدماغ البشري؟ ليس هذا الأمر سهلا كما يبدو، فأدمغة البشر معقدة بصورة مدهشة. وليس لدينا إلى اليوم فهم كامل لكيفية عمل الدماغ. وبدون هذا الفهم، يصبح من الصعب جدا تصميم جهاز يحاكي الدماغ.

إن إحدى الخصائص التي تحتاجها الكمبيوترات لتكون أذكى من الإنسان هي القدرة على التوصل إلى الاستنتاجات من الملاحظات. وفي دراسة نشرت في عام 2009، قام باحثون في جامعة كورنيل بتصميم برنامج يستطيع القيام بهذه الخاصية ولكن في نطاق ضيق. فقد قام هذا البرنامج بإعطاء الكمبيوتر مجموعة أساسية من الأدوات التي يستطيع استخدامها لملاحظة حركات البندول وتحليلها. وبتطبيق تلك القاعدة، كان البرنامج قادراً على استقراء القوانين الأساسية للفيزياء من خلال حركات البندول. ومن المدهش أن استغرق وصول الكمبيوتر إلى نفس الاستنتاجات التي توصل إليها البشر في آلاف السنين في يوم واحد فقط.

وبالرغم من أن مشروع جامعة كورنيل كان مشروعاً رائعاً في مجال هندسة الحاسبات، إلا أننا مازلنا أبعد بكثير من اختراع الكمبيوترات التي تستطيع التوصل إلى الاستنتاجات من الملاحظات العامة. لقد وفر برنامج كورنيل للكمبيوتر الأدوات التي يحتاج إليها للتوصل إلى الاستنتاجات، ولكن الكمبيوتر لم يكن قادراً على اختراع أو تصميم هذه الأدوات لنفسه بالتأكيد.

فلا يمكن القول بأن الكمبيوترات أذكى من الإنسان طالما تعتمد على مجموعة من التعليمات التي وضعها الإنسان للقيام بالمهام. ولن تكون الكمبيوترات ذكية حقاً إلا حين تكون قادرة على فهم الأوضاع والقيام بالمهام بذاتها. وحتى ذلك الوقت، لن تكون الكمبيوترات أكثر من مجرد حاسبات معقدة.

محاكاة عقل الإنسان:
يحاول الكثير من خبراء الكمبيوترات تصميم كمبيوترات قادرة على محاكاة طريقة التفكير البشري، ولكن ما يجعل الأمر صعبا هو أننا مازلنا لا نمتلك فهم كامل لطريقة تفكيرنا. وفي المقابل هناك علماء آخرون يفضلون تصميم أنظمة لا تجعل الدماغ نماذج لها. ويتنبأ العلماء المهتمين بالمستقبل مثل الدكتور راي كورزويل بأن المسألة مسألة وقت فقط قبل أن نتمكن من تطوير نظام كمبيوتر يجعل الكمبيوتر قادراً على الوعي بذاته. وبعد ذلك يمكن أن نرى كمبيوترات قادرة على تطوير نفسها بنفسها بصورة دائمة. وذلك يعني أن الكمبيوترات ستكون قادرة على التحليل وإجراء التعديلات لتحسين قدراتها!!

ولكن اختراع أجهزة كمبيوترات واعية بذاتها أبعد بكثير من قدراتنا الحالية، وقد لا يكون ممكنا أصلاً، وفي حين يزداد فهمنا في مجالات علم الأحياء وهندسة الحاسوب، يمكن أن نواجه عقبة رئيسية قبل أن نتمكن من اختراع أجهزة واعية بذاتها. وبدلاً من ذلك يمكن أن نصل إلى نقطة يلتقي الذكاء البشري بذكاء الأجهزة، تاركين المسألة برمتها محلاً للنقاش.